لم أراني!
في صباح يوم الأربعاء أي تقريبًا في وسط الأسبوع، كان يومي ملبد بالأشغال وعقلي بالأفكار، وكأن داخلي مرآة تعكس صورة السماء المُلبدة بالغيوم، إلا أن السماء تُنبأ بهطول المطر وبعث الفرح، أما أفكاري وأشغالي لا يمكن التنبؤ بما ستنهمر به سوى الإرهاق والتعب في أخر اليوم، على أي حال الطقس الممطر هو المفضل لدي، فلم أكن أتشائم أو أنظر للسماء الرمادية نظرة ترقب بخطر مُحدق أو حزن دفين أو فُراق قريب أو أي من هذه الترهات، نظرتُ إلى الساعة فوجدتها في تمام السادسة فأسرعت واخذتُ ملابسي ولبست، ذهبت إلى المطبخ صنعت قهوتي وأنا أعيد بيني وبين نفسي ما الذي يتوجب علي فعله اليوم وعدت لغرفتي على عُجالة و بيدي كوب القهوة، وقفت أمام المرآة و لم! لم أجدني! لا أرى صورتي في المرآة! مسحتُ عيني بفزع! المرآة لا تراني! ولكنها ترى الكوب بوضوح تراهُ بحجمه ولونه وحتى تُظهر جزءً مما بداخله! أحرك يدي فيتحرك الكوب وحده، توترت بشدة واحترت من التي يجب أن أتصل بها من صديقاتي أولاً لأخبرها بالحادثة المخيفة هذه، فسمعت همسات المرآة تخاطبني، لو كنتِ حقيقية كما الكوب الذي بيدك لرأيتك، وتردد صوتها بداخلي فشعرتُ بغضب شديد لا لأنها لم تراني ولكنها تتهمني بالزيف! وأنا التي يعرفني الجميع بحقـيقـتي و قوتي وثباتي أنا لا أرضخ لأحد ولا أتصنع، أنا أعرفُ أي الألوانُ تليقُ بي وأي التصاميم أجملُ علي، أعرف ما يسعدني وما يغضبني أنا التي صنعتُ نفسي، فعادت لاستفزازي وهمست: تأملي ما بدأتي به حديثُ نفسك "التي يعرفها الجميع" نظرتك لنفسك تبدأ بأعينهم هم، وهذا في مضمونه الكثير.
لا أنكر أني أرى في كل صباح ومساء فتاة جميلة تعرف كيف تختار ما تلبسه وتأكله، ولكني أُبصر لداخلها فأجدُها تختار كلمات ليست لها وتتمسك بأفكار تقتُل الإنسانية وترددها بحجج واهية كالاكتفاء بالنفس والقوة والحذر من السقوط والحاجة الملحة للمكانة والمنصب، أرى إنسانة وضعت حاجز بينها وبين نفسها ورسمت ظلاً لإمرأة أخرى شجعة للسيطرة، تقف وحدها وترفض المشاعر الرقيقة، وما كلُ رقيق يضعف! أرى إمرأة فهمت حب الذات بطريقة نرجسية تقودها للمرض يومًا بعد يوم، أرى فتاة تعيش بالأسباب لا بالغايات! أحاطت نفسها بأناس يصفقون لها وتصفق لهم وهم في الحقيقة يصعدون على المنبر نفسه ويصيغون الفكرة نفسها بطرق ملتوية تشبه انغلاقهم وزيفهم، أرى ظلَ إنسانة تستيقظ كل يوم لتسابق الزمن فتنسى أن تعيش يومها وحقيقة لحظتها، مظهرها بزمن وأفكارها بزمن ورغباتها بزمن، وطموحاتها مشتتة بين الأزمان، فأي إنسانة تريدي أن تظهر بالمرآة؟
وفي وسط حيرتي ومحاولتي لاستيعاب كل هذه الهمسات، سمعت صوت أخر، كان صوت اصطدام هاتفي بالأرض فانتفضت مستيقظة ورفعت الهاتف فوجدت الساعة الخامسة فجرًا من يوم الثلاثاء!
وكنتُ على تطبيق التويتر أتصفحه قبل أن أغفو، و وقعت عيني على آخر تغريدة كُنتُ قد قرأتها
"أخاف أن نصحو ذات يوم، ننظر للمرايا...فلا نرانا"*
أغلقتُ الهاتف وساد الصمت بيني وبين نفسي، وأعادت ذاكرتي همسات المرآة ببطء يُماثل بُطئي وأنا أنهض وأتقدم من تلك المصنوعة من نيترات الفضة والأمونيا، والتي أطلق عليها الإنسان اسم مرآة، والحقيقة كلما اقتربت منها أشعر بغرابة أكثر، بشيء لا أستطيع فهمه، وما إن رأيتُ نفسي حدقت في عيني بقوة وكأني أريد أن أنفد لداخلي! أن أراني
آلاء.ع
*
جميلة كتاباتك 👍 استمري لاني استمتعت بها
ردحذف